اعتادت حماس خوض المواجهات ضد إسرائيل، لكنها أقدمت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر على رهان محفوف بالمخاطر عبر عملية ألحقت ضررا مهينا بهيبة الدولة العبرية التي توعدت على إثرها بـ”سحق” الحركة الفلسطينية لاستعادة الردع والثأر لمئات القتلى.
تأسست “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) في كانون الأول/ديسمبر 1987 مع بدايات الانتفاضة ضد الاحتلال الإسرائيلي، على يد ناشطين يدورون في فلك جماعة الاخوان المسلمين. وخلال التسعينات، أصبحت رأس حربة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، في وقت انصرفت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات الى المسار السياسي وعملية السلام التي بقيت غالبية وعودها حبرا على ورق.
على مدى الأعوام، أنشأت الحركة شبكة واسعة من المعونات والخدمات الاجتماعية خصوصا بناء المدارس، ما أكسبها شعبية متزايدة في أوساط الفلسطينيين على حساب السلطة التي رآها كثيرون من أبناء الشعب، فاسدة ومتواطئة مع إسرائيل.
وتسند القيادة السياسية لحماس الى شخصيتين: رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية الذي يتنقل غالبا بين تركيا وقطر، ورئيس المكتب السياسي في غزة يحيى السنوار الذي ينظر إليه كرمز للجناح المتشدد في الحركة.
أما كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، فيقودها محمد الضيف، وهو شخصية يندر ظهورها العلني، ونجا مرارا من محاولات إسرائيلية لاغتياله.
سيف القدس
إضافة لدورها في مواجهة الاحتلال، كسبت حماس دورا سياسيا متناميا خلال الأعوام الماضية. وعلى رغم فوزها بالانتخابات التشريعية في 2006، لم تتمكن الحركة المصنفة “إرهابية” من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من حجز مكان لها في الحكم.
وتحولت الانتخابات الى أزمة سياسية بلغت ذروتها باشتباكات في غزة انتهت بطرد حماس لحركة فتح بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من القطاع.
وبعد إحكام حماس سيطرتها، قامت إسرائيل التي كانت قد سحبت جيشها وفككت مستوطناتها من غزة عام 2005، الى فرض حصار على القطاع اعتبرته الأمم المتحدة “عقابا جماعيا”.
وعلى رغم الحصار وعمليات عسكرية شن تها إسرائيل خلال الأعوام الماضية بهدف معلن هو منع إطلاق الصواريخ في اتجاهها، بقيت حماس ممسكة بالسلطة في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة تتحدر غالبيتهم من مهج رين من أراض قامت عليها دولة إسرائيل في العام 1948.
واتفقت الحركة وإسرائيل في 2018 على هدنة طويلة الأمد هدفت الى تحقيق استقرار وتحس ن الأوضاع في القطاع الذي يعاني الفقر وارتفاع معدلات البطالة، بوساطة من مصر وقطر والأمم المتحدة.
وبقيت الهدنة ثابتة حتى العام 2021، حين أطلقت حماس عملية “سيف القدس” ردا على الانتهاكات الاسرائيلية للمسجد الأقصى. الا أن الحركة لم تتدخل في المواجهات الأخيرة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في أيار/مايو 2023.
وتواجه حماس انتقادات من خصومها الذين يتهمونها بالعمل وفق مصالحها الخاصة، كما أن التزام التهدئة مع إسرائيل للحد من تدهور الأوضاع الانسانية في القطاع فرض ضغوطا على سلطة الحركة.
الا أن اتفاق الهدنة زعزعه انعدام الاستقرار السياسي في إسرائيل وتشكيل بنيامين نتانياهو عام 2022، الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية عبر ائتلاف يضم شخصيات ترفض أي تسوية أو تنازل للفلسطينيين.
لماذا طوفان الأقصى؟
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الفلسطينية جورج جقمان أن عدم قدرة حماس على تحسين الأوضاع في غزة كان من الأسباب التي دفعتها الى شن عملية “طوفان الأقصى” السبت الماضي.
ويوضح لوكالة فرانس برس “أصبحت الحياة في غزة لا تطاق. نقص في المياه والكهرباء ومعدل البطالة مرتفع جدا. غزة سجن كبير يعتمد على إسرائيل للحصول على الغذاء ولكي يتم ذلك، يجب أن تكون المعابر الحدودية مفتوحة. غضب الشعب على إسرائيل تحول غضبا ضد السلطة (في القطاع)، أي ضد حماس”.
وأدت العملية الى مقتل 1200 شخص في إسرائيل معظمهم مدنيون، بحسب الجيش. ويشن الأخير قصفا جويا ومدفعيا مكثفا على غزة أدى الى مقتل 1354 شخصا، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
ويعتبر جقمان أن عملية حماس مرتبطة أيضا “بتصعيد اليمين الإسرائيلي المتطرف ضد المسجد الأقصى”.
ويشكل الدخول المتزايد للمتطرفين اليهود الى حرم الأقصى “استفزازا” بالنسبة الى الفلسطينيين.
ويوضح جقمان “هذا رمز ديني ووطني في الوقت عينه، ولا يجب التقليل على الإطلاق من أهميته للفلسطينيين”، مشيرا الى أن التوترات المحيطة بالأقصى “كانت فرصة لحماس لشن هجومها”.
وتوعد نتانياهو الأربعاء بأن كل عضو في حركة حماس سيكون “في حكم الميت”، معتبرا أن “حماس هي داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وسنسحقها وندم رها كما دمر العالم داعش”.
وخلال الأعوام الماضية، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال بحق قياديين في الحركة، أبرزهم مؤسسها وزعيمها الشيخ أحمد ياسين في آذار/مارس 2004 وخلفه عبد العزيز الرنتيسي بعد شهر من ذلك. وفي حين أتت هذه الاغتيالات ردا على عمليات تبن تها الحركة، لم تؤد فعليا الى إضعافها على المدى الطويل.
وتستبعد “مجموعة الأزمات الدولية” في نشرة تحليلية ألا يكون قادة حماس “يتوقعون ردا إسرائيليا كبيرا ، رد من شأنه أن يحدث مزيدا من الدمار في قطاع غزة، وأن يفرض كلفة مروعة على سكانه الذين يعانون منذ مدة طويلة، وربما إنهاء حكم حماس في القطاع”.