يشهد القطاع الزراعي في جهة سوس ماسة، التي توُصف بأنها “سلة غذاء” المغرب، ازدهارا كبيرا؛ وذلك بفضل توظيف التكنولوجيا الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه التقنيات، وبحسب خبراء في المجال باتت تمنح الفلاحين أدوات قوية لتحسين وزيادة المردودية، إلى جانب الحفاظ على البيئة.
عين ثالثة
تعد جهة سوس ماسة من أهم المناطق الزراعية في المغرب، وتشتهر بإنتاج البواكر والحوامض، بالإضافة إلى زيت الأركان. وتلعب الزراعة دوراً حيوياً في اقتصاد المنطقة، حيث تساهم في توفير فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة.
ولطالما اشتهرت هذه الجهة بخصوبة أراضيها ووفرة إنتاجها الزراعي. لكن هذه الوفرة لم تكن بمنأى عن التحديات. فالتغيرات المناخية، وندرة المياه، وتدهور التربة، كلها عوامل تهدد استدامة هذا القطاع الحيوي. هنا، يتدخل الذكاء الاصطناعي ليقدم حلولاً مبتكرة، تحول التحديات إلى فرص، وتفتح آفاقاً جديدة للنمو والازدهار.
ويرى مراقبون وخبراء أنه في جهة سوس ماسة، تتجلى ملامح ثورة زراعية صامتة، تقودها أيادي شابة وعقول مبدعة، تستلهم من عبقرية الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة حلولاً لمشاكل عمرها قرون.
النموذج هنا في إقليم اشتوكة آيت باها، والذي يشهد ثورة زراعية غير مسبوقة، إذ يصفه البعض بـ”رائد” الفلاحة العصرية والتصديرية.
تطبيق الزراعة الذكية أصبح ضرورة في هذا الإقليم الذي يعاني من ندرة الموارد المائية ويعتمد على زراعات متنوعة. هذه التقنيات تمكن الفلاح من ترشيد استعمال المياه والأسمدة، وتساعده في تحسين المردودية وجودة المنتوج.
أحمد أفقير، النائب الأول لرئيس الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة، أوضح في تصريح لموقع “بلانيت فيرت”، أن هناك مجموعة من التقنيات المستخدمة في الزراعة الذكية في إقليم اشتوكة، من قبيل نُظم الري بالتنقيط الذكية، المجهزة بحساسات رطوبة، والتي تسمح بريّ دقيق حسب الحاجة الفعلية للنبات، مما يساهم في تقليص استهلاك الماء بـ30 إلى 50%.
وزاد أفقير قائلا: “من التقنيات المعتمدة بالإقليم نجد الطائرات المسيرة (الدرون)، التي تستعمل لمراقبة حالة النباتات، واكتشاف المشاكل قبل أن تتفاقم، كالآفات أو نقص العناصر الغذائية”. قبل أن يستدرك “من التقنيات الهامة أيضا نجد الخرائط الرقمية للتربة، باستعمال نظم GPS، إذ تُمكن الفلاح من توزيع الأسمدة والمواد بحسب خصائص كل قطعة أرض. وأخيراً، محطات الطقس المتصلة التي تقدم معطيات آنية عن المناخ، مما يساعد على اتخاذ قرارات دقيقة بخصوص الزراعة أو الحصاد”.
وشدد المسؤول على أن هذه التقنيات تعطي للفلاح “العين الثالثة” لضيعته، وذلك بفضل البيانات، إذ يستطيع تحديد الوقت المثالي للسقي، أو الكمية المناسبة من السماد، وتفادي الهدر.
دراسات حديثة في المغرب بينت أن الزراعة الذكية ساهمت في رفع المردودية بـ10 إلى 25%، وخفض كلفة الإنتاج بـ20%.
وبحسب المتحدث، ففي اشتوكة على سبيل المثال “تُستعمل خرائط التربة لتوزيع السماد بذكاء، ما يساهم في تقليص التكاليف والحافظ على جودة التربة. كما يتم توظيف طائرات “الدرون” للكشف المبكر عن المرض، ما يساهم في تقليل استعمال المبيدات بنسبة كبيرة”.
وأكد النائب الأول لرئيس الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة، أن الجهات الوصية من قبيل الغرفة الفلاحية تُشجع الفلاحين على تبني هذه التقنيات، مشيراً إلى أن الدولة المغربية، عبر “الجيل الأخضر”، تقدم دعم مالي وتقني للفلاحين لاعتماد الزراعة الذكية.
واستطرد مفسراً “هناك برامج للتمويل الجزئي لمعدات مثل الحساسات ومحطات الطقس والدرونات. أما الغرفة الفلاحية لسوس ماسة، فهي تلعب دوراً أساسياً في توعية وتأطير الفلاحين”.
وأكد أفقير، أن الغرفة الفلاحية تُنظم دورات تكوينية، وورشات تطبيقية، وترافق التعاونيات والفلاحين لدمج هذه التقنيات في مشاريعهم. مبرزاً أن الهدف هو جعل هذه التكنولوجيا في متناول الجميع، بما في ذلك صغار الفلاحين.
وخلُص المسؤول على أن الزراعة الذكية، لم تعد خياراً، بل ضرورة، خاصة في مناطق مثل اشتوكة، حيث ندرة الموارد تتطلب تدبيراً فعالاً ودقيقاً.
دمج الذكاء الاصطناعي في الزراعة
حقق دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعي الفلاحي العديد من الفوائد التي تعزز بشكل كبير كفاءة الزراعة واستدامتها.
وتضمن الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل أنظمة الري الآلية وأجهزة استشعار التربة والتحليلات التنبؤية الاستخدام الفعال للمياه والأسمدة والمدخلات الأخرى، مما يقلل من الهدر ويخفض التكاليف. زيادة الإنتاجية.
من خلال الرصد الدقيق وإدارة صحة المحاصيل وظروف التربة واستخدام الموارد، يساعد الذكاء الاصطناعي المزارعين على تحقيق غلات أعلى ومحاصيل ذات جودة أفضل. كما تقلل الممارسات المستدامة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، مثل الري المتحكم فيه، من البصمة البيئية للزراعة، وتعزز التنوع البيولوجي وصحة التربة.
وبالاستفادة من هذه المزايا، يمكن للمزارعين إنشاء نظم زراعية أكثر مرونة وإنتاجية تحصد الإمكانات الكاملة لمواردهم.
وفي هذا الصدد، قال سعيد الوهبي، رئيس جمعية “جيل المقاولة الناشئة”، إن من أبرز التطبيقات الواعدة في الذكاء الاصطناعي للقطاع الفلاحي تشمل الأنظمة الذكية لرصد صحة النباتات والتربة، وحلول الري الذكي القائمة على تحليل المعطيات، وتكنولوجيات التنبؤ بالمحاصيل، وتطبيقات تعتمد على الرؤية الحاسوبية لتحليل المحاصيل وتحديد الأمراض مبكراً، مشيراً إلى أن استعمال الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لرصد الحقول أصبحت أداة فعالة في تحسين الإنتاجية والتقليل من التكاليف.
وأوضح الوهبي في تصريح لموقع “بلانيت فيرت”، أن المقاولات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي قادرة على إحداث تحول حقيقي في تحقيق الأمن الغذائي من خلال تحسين مردودية الإنتاج وتقليل الهدر. مبيناً أنه بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن التنبؤ بالمخاطر المناخية، وتحسين استعمال الموارد الطبيعية مثل الماء والأسمدة، وتقديم حلول دقيقة تساعد الفلاحين على اتخاذ قرارات أفضل وفي الوقت المناسب. هذا يؤدي إلى استدامة الإنتاج الزراعي وضمان وفرة المنتجات بأسعار معقولة.
وشدد المتحدث ضمن تصريحه على أن الفرص الاستثمارية في الذكاء الاصطناعي بالمجال الفلاحي متنوعة وتشمل على الخصوص: الزراعة الدقيقة، تسيير سلاسل الإمداد، الحلول الذكية لمكافحة الآفات، والخدمات اللوجستية الذكية للمنتجات الفلاحية. قبل أن يستدرك “نلاحظ اهتماما متزايدا بالحلول التي تدمج الذكاء الاصطناعي مع التقنيات في المجال الزراعي”.
وأكد الوهبي أن جمعيته تلعب دوراً محورياً في هذا المجال، حيث توفر منصات تكوين مستمرة لفائدة الشباب والمقاولين، وتؤطرهم عبر برامج احتضان متخصصة، وترافقهم من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التنفيذ والتسويق. وزاد “نقدم أيضا دعماً في بناء النماذج الاقتصادية المستدامة، مع ربطهم بشبكة واسعة من الخبراء الفلاحيين والتقنيين”.
وفي هذا السياق أردف المتحدث: “لدينا عدة برامج أهمها AGRI AI الموجه للشباب، حيث نقدم تكوينات عملية في الذكاء الاصطناعي التطبيقي في الفلاحة، بالإضافة إلى ورشات تأطيرية، وبرامج تربط المقاولين بخبراء دوليين”.
وأبرز أن جمعيته تنظم ملتقيات وتظاهرات تقنية تجمع بين المستثمرين وخبراء القطاع الفلاحي من جهة والمقاولين الناشئين من جهة أخرى. نلعب دور Connecteur عبر تنظيم لقاءات ثنائية لعرض الابتكارات والخدمات، إضافة إلى مواكبة المقاولين في إعداد ملفاتهم الاستثمارية والولوج لحاضنات ومسرعات أعمال وطنية ودولية.
من بين قصص النجاح التي أفتخر بها شخصيا، يستطرد الوهبي، “هناك تجربة مشروع 1trave، الذي كان لنا شرف مواكبته شخصيًا منذ مراحله الأولى كفكرة بسيطة تطمح إلى استعمال الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاج الفلاحي. لقد واكبنا المؤسسين خطوة بخطوة، بدءًا من مرحلة صياغة الفكرة، مرورًا بمرحلة التكوين والتجريب الميداني، وصولًا إلى إعداد نموذج اقتصادي واضح”.
وأضاف رئيس جمعية “جيل المقاولة الناشئة”، رؤيتنا واضحة: مستقبل الفلاحة في المغرب والمنطقة ككل يمر عبر التحول الرقمي والتكنولوجي. نطمح أن تصبح منصة وطنية مرجعية لابتكار حلول الذكاء الاصطناعي الفلاحي. سنستمر في الاستثمار في العنصر البشري، في بناء جسور بين البحث العلمي وريادة الأعمال، وسنعمل على أن يكون لنا دور أساسي في خلق جيل جديد من المقاولين الذين يساهمون في ضمان الأمن الغذائي وتطوير فلاحة مستدامة.
طاقات شابة
أسس المهدي أبو المنادل، وهو مهندس دولة في مجال تكنولوجيا المعلومات يبلغ من العمر 23 سنة، شركة “ديبلي” للتكنولوجيا الزراعية والذكاء الاصطناعي التي طورت “روبوت” يقوم بالكشف عن الباكتيريا والحشرات الضارة التي تغزو النباتات.
يتكون الروبوت من أربع عجلات تسمح له بالتحرك بسهولة في الأراضي الصعبة، وذراع يحمل الكاميرا. يتم التحكم في الروبوت من خلال تطبيق على شبكة الإنترنت، مما يسهل على المستخدمين الوصول إليه دون الحاجة إلى تثبيت أي برامج. كما يعمل الروبوت بالطاقة الشمسية، مما يجعله حلاً مستداماً. يخطط المطورون لإضافة إمكانيات جديدة للروبوت، مثل رش الأدوية وتقليم النباتات، ودمج تقنية الأقمار الصناعية.
يقول المهدي أبو المنادل في تصريح صحفي: “الروبوت يعتمد على كاميرا متعددة الأطياف، تمكن من كشف البكتيريا والحشرات الضارة بالنباتات، ثم يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل الصور الملتقطة ومقارنتها بقاعدة بيانات ضخمة تضم 143 ألف صورة للنباتات وأمراضها”.
وزاد المتحدث “هدفنا هو ابتكار روبوت مغربي مئة في المئة، لمساعدة الفلاحين، عبر الكشف المبكر عن الأمراض التي تصيب النباتات”.
توضح هذه التصريحات أن رؤية المشروع تتمثل في تقديم حل تكنولوجي متقدم ومحلي الصنع لمواجهة التحديات الزراعية في المغرب، من خلال تسهيل الكشف المبكر عن الآفات والأمراض بدقة وكفاءة.