كشفت شهادات صادمة لنساء كاميرونيات عن نشاط شبكات منظمة تنشط في العاصمة ياوندي، تستدرج الراغبات في الهجرة إلى المغرب عبر وعود براقة تتعلق بالعمل والحصول على مبالغ مالية مغرية، مع إمكانية العبور لاحقاً إلى أوربا. غير أن تلك الوعود سرعان ما تتبدد بمجرد وصول الضحايا، ليتحول الحلم إلى كابوس استغلال في شبكات دعارة عابرة للحدود.
إحدى الضحايا، التي عادت إلى بلدها بعد تجربة مؤلمة، روت لجريدة الصباح أنها قضت سنتين في المغرب تحت رحمة شبكة كاميرونية كانت تستغلها في الدعارة. أوضحت أن عملية الاستقطاب بدأت من مدينة دوالا، حيث جرى إقناعها بدفع مبالغ مالية مقابل تأمين سفرها إلى المغرب على أساس أن الطريق سيُفتح أمامها لفرص مهنية وحياة أفضل، لكن الواقع كان مغايراً تماماً.
وبحسب ما نشرته الصباح، فإن شبكات مكونة من نساء كاميرونيات أخريات فرضت نفوذها داخل بعض الأحياء المعروفة بالحياة الليلية في الدار البيضاء، إلى درجة أنها باتت تتحكم في ما أصبح يسمى بـ”سوق الجنس الجديد”. هذا السوق لا يقتصر على الزبائن المغاربة فقط، بل يستقطب أيضاً السياح الأجانب، وهو ما يكشف حجم التحول الذي تعرفه الظاهرة في السنوات الأخيرة.
التكنولوجيا تعزز الاستغلال
وتشير شهادات الضحايا إلى أن ظهور تطبيقات إلكترونية ومواقع متخصصة في تسويق الخدمات الجنسية سهّل بشكل كبير أنشطة هذه الشبكات. فقد أصبح العرض يتم عبر الفضاء الرقمي بتفاصيل دقيقة عن “العاملات”، مثل الطول والوزن ولون الشعر، وهو ما جعل الإنترنت الوجهة الأولى للزبائن. هذا الانتقال من الشارع إلى العالم الافتراضي ضاعف من صعوبة ملاحقة الظاهرة من قبل السلطات الأمنية.
يرى أحد الكاميرونيين، الذي عمل سابقاً في مركز للاتصال بالمغرب، أن توسع هذه الظاهرة يجد تفسيره في التحولات الكبرى التي يعرفها مسار الهجرة. فالمغرب، الذي كان يعتبر محطة عبور نحو أوربا، تحول إلى بلد استقبال بعد أن شدد الاتحاد الأوربي إجراءاته ضد الهجرة غير النظامية. هذا التحول دفع العديد من المهاجرات، الهاربات من الأزمات الاقتصادية في بلدانهن، إلى الاستقرار في مدن مغربية، لكن هشاشة أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية جعلتهن أكثر عرضة للاستغلال.
إحدى المهاجرات أكدت أنها تعرضت مراراً للابتزاز من قبل وسطاء كانوا يفرضون عليها أداء إتاوات مقابل السماح لها بممارسة النشاط. وأشارت إلى أن أي محاولة للتمرد على أوامر الشبكات كانت تقابل بالطرد أو بالتهديد المباشر بالعنف، وهو ما جعل الكثير من الضحايا يفضلن الصمت خوفاً من الانتقام.
مسؤولية جماعية وإطار قانوني
وتعيد هذه المعطيات النقاش حول ظاهرة الاتجار بالبشر في المغرب، التي تأخذ أشكالاً متعددة، من بينها استغلال النساء المهاجرات في الدعارة. فبرغم إقرار القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، تؤكد أصوات حقوقية أن التطبيق العملي ما يزال يواجه صعوبات، خاصة أمام الطابع العابر للحدود لهذه الشبكات واستغلالها للثغرات القانونية والرقمية.
الضحايا وجهن دعوات إلى سلطات بلدانهن الأم من أجل تكثيف حملات التوعية لتفادي وقوع مزيد من المهاجرات في فخ هذه الشبكات. كما ناشدن السلطات المغربية بتشديد الرقابة على الوسطاء ومراقبة المنصات الرقمية التي تحولت إلى سوق مفتوحة لأنشطة غير مشروعة، مع توفير بدائل اقتصادية واجتماعية للمهاجرات الأكثر هشاشة.