بخطوات متعثرة فوق رمال النزوح، يتكئ الطفل الفلسطيني راتب أبو قليق (10 سنوات) على عكازين بسيطين، ويجر أنبوبا بلاستيكياً ثبته مكان ساقه المبتورة، بعدما فقدها في غارة إسرائيلية استهدفت خان يونس جنوب قطاع غزة.
الغارة لم تحرمه ساقه الصغيرة فحسب، بل خطفت أيضاً والدته وشقيقه، اللذين لا يزالان تحت الأنقاض.
راتب الذي نزح من شمال غزة قبل ثلاثة أشهر، لم يجد حلا سوى اللجوء إلى أنبوب مياه بلاستيكي كبديل بدائي عن الطرف الصناعي، في ظل انعدام الإمكانات الطبية والحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول المعدات اللازمة لصناعة الأطراف الصناعية.
ويقول لمراسل الأناضول: “ساقي بُترت بسبب القصف. استخدمت أنبوباً بلاستيكياً كي أتمكن من اللعب مع أصدقائي. أحلم أن أحصل على طرف صناعي يساعدني على الحركة.”
شهادة العائلة
يؤكد عم الطفل، محمد أبو قليق، أن راتب فقد ساقه بعدما أصاب القصف سيارة كان قريبا منها، مضيفا “فقد والدته وشقيقه في القصف، وأصيب اثنان آخران من العائلة. نجا راتب ببتر ساقه وإصابات متفرقة. كان متفوقا في دراسته ويحب اللعب، واليوم يعيش حياة مليئة بالألم.” ويتمنى العم أن يغادر راتب قطاع غزة للحصول على طرف صناعي يعينه على استعادة جزء من طفولته.
معاناته لا تقتصر على بتر ساقه وفقدان والدته وشقيقه، بل تمتد إلى مأساة النزوح المتكرر. فقد اضطر إلى مغادرة مدينة غزة بعد اجتياحها واحتلالها، ليستقر في مدينة دير البلح وسط القطاع، بعيداً عن والده الغائب منذ ما قبل اندلاع الحرب.
بحسب مكتب إعلام الحكومة في غزة، هناك أكثر من 22 ألف فلسطيني بحاجة إلى إجلاء طبي تمنع إسرائيل خروجهم من القطاع.
وفي 21 أغسطس الماضي، حذرت وكالة “الأونروا” من أن غزة تسجل أعلى معدل بتر أطراف بين الأطفال في العالم، حيث يعيش نحو 4 آلاف طفل مبتوري الأطراف، إضافة إلى 17 ألف يتيم. كما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 18 ألف طفل وإصابة 20 ألف آخرين منذ بدء الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023.
من جهتها، دقت منظمة اليونيسف ناقوس الخطر، مؤكدة أن أطفال غزة يموتون بمعدل “غير مسبوق” نتيجة المجاعة وتدهور الأوضاع الصحية.
وقال تيد شيبان، نائب المدير التنفيذي لليونيسف: “ما يحدث في غزة غير إنساني. الأطفال يحتاجون قبل كل شيء إلى وقف إطلاق نار مستدام ومسار سياسي للمضي قدماً.”
وزارة الصحة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية عدة كررت التحذير من انهيار شامل للقطاع الصحي في غزة، مع نقص الأدوية والمستلزمات، وانقطاع الكهرباء والوقود، ما يفاقم معاناة الجرحى والمصابين.
قصة الطفل راتب تختصر مأساة آلاف الأطفال في غزة: طفولة مبتورة، أحلام مؤجلة، ومعاناة مركبة بين الحصار والنزوح وفقدان الأحبة.
ورغم أن أنبوباً بلاستيكياً أصبح بديلاً عن ساقه المبتورة، إلا أن حلمه البسيط بـ طرف صناعي يعيده إلى مقاعد الدراسة وميادين اللعب يبقى شاهداً على إنسانية مفقودة في ظل حرب طاحنة.