بعدما عزله الغرب على مدى ثلاث سنوات منذ بدء غزو أوكرانيا، خرج فلاديمير بوتين من الظل بمجرد اتصال هاتفي من دونالد ترامب، فتح الباب لمفاوضات سلام وسمح للرئيس الروسي بالتحدث مع نظيره الأميركي على قدم المساواة. حين أمر بوتين جيشه بشن هجوم على أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، بذلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جهودا مكثفة لعزله على الساحة الدولية.
ومن بين القادة الأوروبيين، وحدهما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو واصلا دعمه بدون تحفظ. أما في الولايات المتحدة، فذهب الرئيس الديموقراطي السابق جو بايدن إلى حد وصفه بـ”الدكتاتور الدموي” رافضا أي تواصل معه على مدى ثلاث سنوات. لكن يبدو الآن أن هذه الصفحة طويت. فاتفق بوتين وترامب خلال مكالمة هاتفية استمرت ساعة ونصف ساعة الأربعاء، على البدء “فورا” بمفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي أوقعت عشرات آلاف القتلى والجرحى في البلدين. ولم يبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والقادة الأوروبيين بالاتصال إلا لاحقا، ما أثار استياءهم.
وقال الرئيسان الروسي والأميركي إنهما يريدان “العمل معا” وتبادلا الدعوات لزيارة كل من البلدين، فيما أفاد ترامب عن لقاء مرتقب بينهما في السعودية. وهذه العلاقة الندية مع الولايات المتحدة هي ما سعى إليه بوتين عل الدوام.
وقالت المحللة الروسية تاتيانا ستانوفايا العاملة في الخارج ملخصة الوضع لوكالة فرانس برس إن “صبر بوتين أتى ثماره”. وأوضحت أن الرئيس الروسي “عمل بلا كلل لاسترضاء ترامب من خلال إبداء تساهل ومرونة وإظهار عزم على التسوية”.
وإن كان ذلك أول اتصال رسمي بين الرئيسين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن اتصالات “جرت منذ عدة أسابيع” بين كبار المسؤولين من البلدين، بحسب المحللة.
وبالرغم من نبذ الغرب لبوتين منذ ثلاث سنوات، فهو احتفظ بدعم شركائه في مجموعة “بريكس” وفي طليعتهم الصين والهند، وتأييد أقرب حلفائه من الاتحاد السوفياتي سابقا. كما وسع وجود بلاده في إفريقيا وآسيا وأماكن أخرى من العالم.
وبعد ثلاث سنوات من انقطاع الاتصال بصورة شبه تامة بين الروس والغربيين، ينظر كبار المسؤولين الروس باستحسان إلى الإشارة الرمزية التي وجهها الرئيس الاميركي.
وعلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس “هذا يظهر الوضع الشاذ لهذه السنوات التي عبرناها في عهد إدارة بايدن”.
وقال المحلل الروسي كونستانتين كالاتشيف لفرانس برس “هناك الكثير من الجذل والانفعال في روسيا اليوم إذ يظهر أن بوتين انتصر منذ الآن بعدما أضفى ترامب عليه شرعية بصفته شريكا محترما، وأن أوكرانيا خسرت”.
وتابع “يأمل الكرملين أن يتبدل الغرب بمساعدة ترامب إلى حد أنه سيكون بإمكانه استقبال بوتين من جديد” لكنه حذر من أن “المفاوضات لا تزال في بدايتها”.
ومع ترقب لقاء بين الرئيسين في مستقبل قريب، رأت ستانوفايا أن هذه “نافذة فرص ينبغي أن يستغلها (بوتين) إلى أقصى حد”.
وأعلن الكرملين منذ الآن أنه يود بمعزل عن المسألة الاوكرانية، بحث النظام الأمني في القارة الأوروبية بمجملها، ما يعني دور الحلف الأطلسي الذي تعتبره روسيا تهديدا وجوديا على حدودها. لكن من غير المؤكد أن تكون نتيجة المحادثات مع ترامب مواتية لموسكو.
وحذرت المحللة من أن بوتين “لم يبدل موقفه: يجب أن تصبح أوكرانيا دولة صديقة لروسيا مع ضمانات متينة”. وهي تعتبر أن الرئيس الروسي “جاهز تماما” لاحتمال فشل المفاوضات ومصمم على الحصول من كييف على “استسلام سواء “مع ترامب أو بدونه”. وأكدت أن “بوتين لا تساوره أوهام” مضيفة “يبقى رجلا يفاوض بقسوة”.