متابعة: عوض اسباعي
يواجه الإعلام في المغرب تحديات متعددة، تمتد من القضايا المرتبطة بجودة المحتوى إلى التحولات الرقمية وغياب سياسات عمومية شاملة لتطوير القطاع. يُضاف إلى ذلك نقص التكوين الفكري أساسا تم التقني والمهني للصحفيين. وعليه تطرح الإشكالية على كل المعنيين كل من وجهة تخصصه وتعاقده مع المجتمع؛ لذا تكتسب الأنشطة الأكاديمية المرتبطة بالإعلام أهمية كبرى داخل الفضاء الجامعي ليربط الجامعة بالمجتمع وبالإعلام، في هذا السياق جاء مقترح الدرس الافتتاحي لمحترف الممارسة والمعرفة الصحفية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ـ جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، بشعار دال: “الصحافة المغربية: رهانات وانتظارات” لتأسيس تقليد علمي ومعرفي وبالتالي للإسهام في الانخراط في النقاش العمومي حول الإعلام.
ترأس اللقاء السيدة نائبة السيد العميد في الشؤون البيداغوجية الأستاذة سميرة اركيبي، والسيد يوسف أسفري نائب السيد العميد المكلف بحياة الطالب والشؤون الثقافية والرقمنة، أشرف على اللقاء مؤطر المحترف، ذ.أحمدطنيش، وحضره كل طلبة المحترف وضيوفه من داخل كلية الآدب بنمسيك وانفتاحا على باقي الكليات بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، وضيوف من المجال الإعلامي..
أطر الدرس الافتتاحي لمحترف الممارسة والمعرفة الصحفية، بفضاء كلية الآداب بنمسيك، الإعلامي المتميز الأستاذ يونس مجاهد يوم الثلاثاء 17 دجنبر 2024، بصفته صاحب تجربة ومسار نضالي ونقابي وتمثيلي لقطاع الصحافة والإعلام على عدة مستويات داخلية وخارجية، وبصفته العلمية كباحث ومتكون في مجال السوسيولوجيا.
أطروحات الدرس الافتتاحي:
- التكوين الإعلامي في المغرب: الواقع والتحديات وإشكالية التكوين المهني والفكري:
يعاني قطاع الإعلام من ضعف ملحوظ في التكوين عموما، وضمنه التكوين الفكري للصحفيين، حيث يغلب التركيز على الجوانب التقنية في المعاهد الإعلامية، بينما يتطلب العمل الصحفي ثقافة واسعة وقدرة على معالجة القضايا الاجتماعية والفكرية وغيرها بعمق، ومن هنا يأتي تدخل الجامعة باعتبارها فضاء البحث العلمي لقيادة المجتمع فكريا وإعداد الطالب من مدخل تكوينه ليصبحصاحب حس نقدي يخدم ويطور فعل المواطنة في المجتمع، لكون الثقافة والفكر يساهمان في تقوية القدرات وانفتاح الآفاق؛ لذا نحن في حاجة للعقل التركيبي الذي يولد المعنى ويطرح الأفكار الكبرى.
في مداخلته عبر الدرس الافتتاحي، شدّد يونس مجاهد على أهمية الجمع بين الكفايات التقنية والمهارات الفكرية، مع إعطاء الأولوية للمجال الفكري، والتعامل مع التقنية أنها تتطور وتتحول باستمرار، وأكد أن العمل الصحفي ليس مجرد نشاط تقني بل مسؤولية اجتماعية ومجتمعية وفكرية تتطلب إلمامًا بالقضايا الكبرى للمجتمع بسعته محليا ووطنيا ودوليا، من هنا تم طرح الأسئلة الإشكالية:
ـ لماذا نحن، نعيش في المغرب وضع هشاشة إعلامية ولدينا أزمة في المجال الصحفي؟ لماذا لدينا وضع غير سليم؟ لماذا ليس لدينا صناعة إعلامية متقدمة؟
4ـ سؤال مركزي: هل لدينا سياسات للموارد البشري؟ !وهل هناك مؤسسة ما إعلامية أو غيرها لديها رصدا لكل مواردها البشرية، خصوصا في مجال التكوين لمعرف الأطر والفعاليات ومستوى اللغات والشواهد والكفاءة، لكي نستفيد منها ولكي نضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ !تشير التقارير أن بعض المؤسسات لا تعرف مستويات من يشتغل معها.
5ـ هل أقامت مؤسسة ما برصدلمن أخد تكوينه في القرن الماضي أو شخص وضع تجارب أطر انتهت صلاحيتها، لغاية التكوين وإعادة التكوين، والتكوين المستمر والمحدد، للوصول إلى المردودية؟ !فعلا هوعائق حقيقي أمام ولوجنا لمرحلة الصناعة الإعلامية في علاقة مع الموارد البشرية مرتبط جدليا بهشاشة تكوين الأطر.
5ـ المعهد العالي للصحافة، يعرف الآن خصاصا في الأطر، الأمر الذي جعله يلجأ للتعاقد مع المتقاعدين من أطره السابقة، فهل فكرت مؤسسة ما في تكوين متخصصين، لكي لا نقع في هذا الإشكال، ولفتح أبواب الشغل للأطر تدبيرا لمواردنا البشرية؟
بعد وضع الإشكالية بل الإشكاليات الكبرىخاض المحاضر في الفرضيات، للتفكير في سبل المعالجةوالمقاربة كتوطئة لمحور اللقاء:”الصحافة المغربية رهانات وانتظارات”وجاءت الإشارةلتاريخ الصحافة في المغرب بين الأمس واليوم، بين التأسيس والاستمرارية ومواكبة التطورات، بين عدد الجرائد والقراء يرصدالحصيلة أن الأمس كان أحسن من اليوم، نموذج ذلك، أن تطوان لوحدها كانت تضم قرابة 20 مطبعة، وعدد كبير من المطبوعات ومن الجرائد والمجلات وكانت نسبة المبيعات الجرائد في الأربعينات جد قياسية لأنها كانت ضمن تقاليد الناس والمجتمع، السؤال: ماذا وقع؟ ولماذا هذا التراجع؟ وكيف يمكننا أن نستدرك الوضع؟ !
لا ننسى أن الإعلام كان مرتبطا بالحركة الوطنية، وبالمرحلة الكبرى مع الأسئلة الكبرى وطنيا وقاريا،وكانت المدرسة والمسيد والجامعة والزاوية منخرطون في قضايا وجدل المجتمع، وكانت الأحزاب لها لسان حالها وكان لها مفكروها ومنظروها وأقلامها وكان لها أساسا القراء من داخل الانتماء وخارجه، في تلك المرحلة كان الصراع الإعلامي بين الإعلام الوطني والاستعماري، وكان التراكم، وجاءت مرحلة تحرير الإعلام، وصولا إلى مرحلة المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال 29/31 مارس 1993، وجاءت مرحلة الإصلاحات الكبرى في الإعلام، وللإشارة فقد كان شعار المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال: “الفضاء الإعلامي، رهانات المستقبل”، طرحت المناظرة في سنة 1993، شعارا محوريا: من أجل صناعة إعلامية، وهنا لزاما أن نشير أنه لم يسبق لنا بالمغرب وضع سياسة عمومية لتطوير الصحافة والإعلام، وتدعوا الضرورة حاليا وضع هذه السياسة العمومية نحو الإصلاح والنهضة المرتقبة.
بناء على الطرح العام الذي جاء به المحاضر، نستحضر البعد من محترف الممارسة والمعرفة الصحفية تحت إشراف الأستاذ أحمد طنيشوالذي ينهج تكوينا إعلاميا شاملا للإعلام والصحافة ومهامهما المتعددة والمختلفة والمرتبطة بعدة مؤسسات وأفق. بمناسبة اللقاء أتيحت للطلبة فرصة تقديم جريدةبخطها التحريري “نحو إعلام جامعي”، اشتغلوا عليها تقنيًا وفنيا وأدبيًا، مما يعكس توجهًا نحو تعزيز الخبرات العملية والعلمية إلى جانب التكوين النظري والتطبيقي الموازي والمتكامل. الأمر الذي يتطلب مقترحات عملية تتمثل في تعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية لتطوير برامج تكوين مستمر، إنشاء مراكز بحثية متخصصة تعالج قضايا الإعلام وتجسر الفجوة بين النظرية والممارسة،تفعيل بحوث ميدانية ترصد القراءة عموما، ومن جانب تخصص المحترف يقترح رصدا للعلاقة من الإعلام عموما بكل وسائطه.
-
التحولات الرقمية وتراجع الصحافة الورقية:
ناقش السيد يونس مجاهد في مداخلته التحولات التي أثرت على الصحافة الورقية، خاصة مع بروز الصحافة الرقمية المواكبة للتطورات التقنية الدولية التي غيّرت طبيعة استهلاك المحتوى الإعلامي؛ أشار المحاضر إلى بعض أسباب التراجع المشهود والمتمثلفي غياب سياسات عمومية واضحة لمواكبة هذا التحول.ومنهاالأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها جل المؤسسات الصحفية خصوصا في علاقتها مع الممول والمشهر الذي غير وجهته وتوجهه، مما زاد من ضعف الصحافة الورقية، حيث يعتمد العديد منها على فرق عمل صغيرة، وأحيانا تعتمد على فرد واحد وهي مفارقة غريبة تضعنا أمام خلل مهني وأخلاقي خصوصا إذا قارنا وضعنا مع بعض الدول المتقدمة وغيرها حيث أن الصحافة الورقية مازالت صامدة ومواصلة لرسالتها ومهنيتها.
في ظل هذا التشخيص والرصد، وربطا بالتداعيات والبحث عن الحلول، نلاحظ تدني جودة الصحافة الرقمية بسبب غياب معايير صارمة، أو قل موضوعية مما أدى إلى انتشار “التفاهة الإعلامية”. وفي نفس الوقت نطالب بضرورة تمويل المنصات الجادة والإعلام المسؤول لضمان بقاء المحتوى الهادف.
3ـالصحافة الحزبية والإعلام العمومي
استطاع الإعلام الحزبي الصمود رغم ضعف موارده، بينما يواجه الإعلام العمومي تحديات مرتبطة بالتوجيه والتوجه الرسمي وافتقاره للتنوع والديمقراطية التمثيلية لتطلعات الصحافة والإعلام في علاقة مع المواطن والمجتمع، في انتظار أن يتحقق المطلب يقوم الإعلام العمومي نسبيا بدوره المجتمعي، وعندما يقوم به بشكله والتزامه وتعاقده الكامل حينها من الممكن أن نقوم بقطيعة مع الإعلام الحزبي، الذي يصرح أنه متواجد بالضرورة في غياب استراتيجية إعلامية مجتمعية تساهم في تعزيز استقلالية الإعلام العمومي لضمان تعبيره عن مختلف مكونات المجتمع نحو الولوج الفعلي لعصر الصناعة الإعلامية المتوافقة.
أشار الأستاذيونس مجاهد إلى أن الإعلام الحزبي يظل ضروريًا في ظل غياب إعلام عمومي قادر على استيعاب معظم وجهات النظر، وفي ظل الوضع الحالي، على الإعلام الحزبي تحديث أدوراه ومهامه ليواكب التحولات الرقمية، محددا لأبرز أسباب الأزمة الإعلامية الحالية حيث غياب تصور واضح لسياسات عمومية ترتكز على دعم الصحافة وتطويرها بناء على الحاجة الماسة إلى إصلاح استراتيجي يتوجه نحو المستقبل ويعتمد على رؤية شاملة للإعلام كقطاع إنتاجي ومسؤولية اجتماعية مجتمعية، وفق مقترحات عملية وحلول تسهم في وضع سياسات تواكب التحولات الرقمية وتحمي الصحافة الورقيةتعزيزاللتربية الإعلامية عبر المناهج الدراسية لتمكين الجمهور من فهم دور الإعلام وأهميته عبر كل أسلاك التعليم وباقي المؤسسات المرتبطة به، وأهم الحلول تتمثل في التربية الإعلامية ودورها في تطوير الوعي المجتمعي؛ إذ نلاحظ ضعف التربية الإعلامية وغياب برامج تربوية تهدف إلى تعليم مبادئ الإعلام الأولى يحمي الأطفال والجمهور منالتأثيرات السلبية للإعلام الجديد غير المسؤول، أشار السيد يونس مجاهد إلى أن مسؤولية الحكومة لا تقتصر على تنظيم القطاع فقط، بل تمتد إلى تعزيز الوعي الإعلامي. وإدماج التربية الإعلامية ضمن المناهج التعليمية تم إطلاق حملات توعوية لتعريف المجتمع بدور الإعلام في بناء الديمقراطية والمجتمعات.
أكد الدرس الافتتاحي أن الإعلام ليس مجرد قطاع تقني، بل هو مجال فكريوموضوع مجتمعي يعكس تطلعات الشعب؛ لذا وجب على الجامعة وعلى المجتمع المدني وعلى الدولة أن ينخرطوا في قضية تطوير الصحافة بالمغرب واعتبار ذلك ورشا وطنيا كبيرانحو إعلام جاد ومسؤول الأمر الذي يتطلبرؤية استراتيجية قائمة في البدء على التشخيص العلمي للوصول إلى مرحلة الأجرأة ومدخلها التكوين وإعادة التكوين والتكوين المستمر لمواكبة التحولات الإعلامية الوطنية والدولية ومنها الإعلام الرقمي وغيره،تعزيزاللوعي الإعلامي الباحث عن نهضته، لضمان إنتاج محتوى مسؤول يرقى لتطلعات المواطنين ويخدم قضايا المجتمع.