لايكاد يمر خطاب يلقيه جلالة الملك محمد السادس دون أن تتضمن خطب جلالته وصايا وتوجيهات للعناية بالشباب، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، قولا صريحا، وليس تلميحا. بل إن العناية الملكية الموصولة بالشباب، التي تتميز بطابعها الشمولي ومتعدد الأبعاد، لا تضاهيها إلا إرادة جلالته الراسخة من أجل بناء مغرب متطور وتقديم إجابات ملائمة وناجعة لانشغالات وانتظارات المواطنين. لكن على أرض الواقع مازالت الكثير من المؤسسات الوطنية بعيدة عن تنزيل التوجيهات الملكية.
ترفع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط شعار “يكمن جوهر استراتيجيتنا في مشاركة القيم، وهو ما يضمن نموا دائريا لبيئتنا، أنشطتنا ومجتمعاتنا”، لكن في الواقع يبقى الشعار، للاستهلاك فقط.
في المغرب تشكل المقاولات الصغيرة التي تحقق رقم معاملات أقل من 3ملايين درهم فئة هامة من النسيج المقاولاتي، بل إنها تمثل ما يزيد عن نصف الشركات المسجلة في السجل التجاري المركزي. ولهذه المقاولات التي تعتبر فضاء لتشجيع روح المبادرة الذاتية أثر إيجابي للغاية على تماسك النسيج الاقتصادي ومحاربة الفقر (الاندماج الاجتماعي). ولذلك مافتئت التوجيهات الملكية تحث، كما أسلفنا، على آليات جديدة لدعم المقاولات الصغرى جدّا لإمدادها بالدعم التقني والمالي لأصحاب المشاريع خلال عملية الترسيم وما بعد الترسيم. بالمقابل ما فتئت التدابير على أرض الواقع تأخذ منحى مختلفا. على سبيل المثال ما الذي يدفع مؤسسة مواطنة من حجم المكتب الشريف للفوسفاط إلى احتكار سوق البواخر المصدرة للأسمدة بمختلف الموانئ المغربية؟
سؤال يبدو من العبث الإجابة عنها. فالمفروض أن OCP، شركة رائدة، والمفروض أكثر أن تظل وفية للقيم التي تتبناها، وأبرزها العمل على خلق تنمية مستدامة للجميع. وأن تكون إجراءاتها على أرض الواقع منسجمة مع شعاراتها. وأحد أهم هذه الشعارات التي ترفعها المجموعة “من أجل تنفيذ برامج الدعم لمجتمعاتنا”..إذا كان هذا هو المفروض فإن الواقع أن مقاولات مغربية صغيرة في طريقها لإعلان إفلاسها، والقصد هنا على الشركات الوطنية العاملة في مجال الوكالة البحرية.
فبعد أن ظلت المجموعة أحد أبرز المساهمين في إنعاش الاقتصاد الوطني وتحريك عجلة التنمية من خلال تفويت مجموعة من الأعمال والأشغال للشركات الوطنية الصغرى، وبعد أن راكمت هذه الأخيرة من التجربة ما يكفيها من الخبرة لبدء خطوة جديدة نحو التطور، بعد كل هذا قررت المجموعة وعلى حين غرة أن تتحول من مدعم أول إلى منافس أول..وللقارئ أن يتصور كيف لمقاولة صغيرة أومتوسطة حتى، أن تنافس عملاقا اسمه المكتب الشريف للفوسفاط، من خلال الشركة التابعة له “كوماطام”. هذه الأخيرة التي استحوذت على سوق المعاملات مع البواخر المصدرة للأسمدة. ولتشرب المقاولات الصغيرة، والأطر العاملة بها، وصغار موظفيها البحر..أوهكذا يريد البعض أن يكون عليه الأمر.
بالتأكيد يحتاج الأمر إعادة نظر من قبل أطر المجموعة في فلسفة اشتغال “كوماطام”، ذلك ما تأمله المقاولات المتضررة، وبالتأكيد لنا عودة للموضوع.