يتحتم على جميع الحكومات أن تقدم في غضون عام التزامات بيئية منسجمة مع أهداف اتفاق باريس حول المناخ، غير أن تقييم هذه الأهداف الخاصة بكل دولة يبقى عملية بالغة الحساسية ومثيرة للجدل.
خطة طموحة لكن
قالت آن أولهوف التي ساهمت في وضع التقرير السنوي المرجعي لبرنامج الأمم المتحدة من أجل البيئة حول الفارق بين التزامات الدول والخفض الفعلي لانبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة، إن “المسألة سياسية إلى حد لا أعتقد أنها يمكن أن تجري في إطار الأمم المتحدة” الراعية لاتفاق باريس حول المناخ.
ويدعو القرار الذي صادقت عليها جميع الدول خلال مؤتمر الأطراف للمناخ “كوب26” المنعقد في نونبر في غلاسكو، كلا من الدول إلى تعزيز أهدافها على صعيد الحد من انبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة “في حال الضرورة” بحلول نهاية 2022، لتكون “منسجمة” مع اتفاق باريس القاضي بحصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعة، وإذا أمكن بـ+ 1,5 درجة مئوية.
غير أن هذا الطموح يبقى على الصعيد المشترك، وليس هناك أي هيئة مكلفة تقييم مسار كل من البلدان الذي تقرره سلطات البلد.
شكوك الخبراء
وعلقت خبيرة المناخ كورين لو كيريه “ليس هناك +شرطة+ تقوم بالتثبت، وهذه ثغرة في الآلية، لكنها تسمح للدول بالسيطرة على أهدافها على صعيد البيئة والتقدم بوتيرة تناسب نظامها السياسي”.
وتقوم هيئة المناخ في الأمم المتحدة العام المقبل بتقييم التزامات الدول الأعضاء للعام 2030، غير أن تحليلها يبقى عالميا، وهي تتوقع في الوقت الحاضر زيادة حرارة الأرض بمقدار +2,7 درجة مئوية.
يمضي تقرير برنامج الأمم المتحدة من أجل البيئة أبعد من ذلك، وخصوصا بالنسبة لدول مجموعة العشرين المسؤولة عن ثلثي انبعاثات غازات الدفيئة.
وقالت آن أولهوف “نحن لا نشير بأصابع الاتهام، بل نلفت الانتباه إلى أعضاء مجموعة العشرين الذين لايسلكون فعليا الطريق الصحيح” مثل أستراليا والمكسيك.
ويشكك الخبراء في مطلق الأحوال في أن تستجيب الدول لتقييم خارجي. وقال بيل هير من مركز “كلايمت أناليتيكس” للأبحاث لفرانس برس “سمعنا بوضوح في غلاسكو دولا مثل الولايات المتحدة تقول إنها ستحدد وحدها المسار المؤدي إلى +1,5%”.
قفص الاتهام
والولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يتخذ مثل هذا الموقف، فأعلن نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس مؤخرا “لا أعتقد أن المسؤولية تعود إلى الاتحاد الأوروبي، لأننا على الطريق نحو الالتزام الواسع النطاق بـ(اتفاق) باريس” مؤكدا “يمكننا إثبات ذلك بالوقائع”.
وفي هذا السياق، سيتحتم حتى على الدول الأكثر طموحا “تطوير حججها” للإقناع بسلوكها، على ما أوضحت لولا فاييخو من مركز “آي دي دي آي آي” للأبحاث، مضيفة “يعود بعد ذلك إلى المجتمع المدني ووسائل الإعلام وصولا حتى إلى الدول الأخرى أن تلعب دور التقصي”.
وأوضح دبلوماسي غربي أن “الدول غير الملتزمة باتفاق باريس ستشعر أنها في قفص الاتهام” مؤكدا أن “ضغط الأقران يأتي بنتيجة”.
ولتعزيز هذا الضغط، ثمة أدوات تقييم مثل “متعق ب العمل المناخي” الذي يصنف البلدان بحسب توقعات مسارها ما بين نحو +1,5 درجة مئوية، ودون درجتين مئويتين، ونحو ثلاث درجات مئوية، أو أسوأ من ذلك.
وبفضل مثل هذه التحليلات المستقلة، يقول بيل هير المشارك في متعقب العمل المناخي أن “خطر الظهور في قفص الاتهام قد يساعد بعض الدول على تركيز جهودها على ما ينبغي القيام به” متوقعا “الكثير من المناقشات والخلافات” قبل حلول استحقاق نهاية 2022.
ضغط الداخل
توضح لولا فاييخو أن الدول قد تتقبل الانتقادات أكثر إذا كان مصدرها مختلفا، مشيرا إلى أن الرأي يكتسب شرعية “أكبر” حين يأتي من الداخل.
ومن هذه المصادر التي يمكن أن تكون مقبولة الباحثون الذين يبتكرون في كل بلد سبلا لإزالة الكربون، واللجان المستقلة مثل لجنة التغير المناخي البريطانية والمجلس الأعلى للمناخ الفرنسي المكل فين تقييم السياسات البيئية لحكومتيهما.
وفي مطلق الأحوال، لفتت آن أولهوف إلى أنه لا يمكن حتى للدول الأكثر طموحا “التوقف عن بذل الجهود رغم ما تحقق… لأن هناك مسألة أخرى هي وزن الانبعاثات التاريخية والإنصاف”.
مبدأ المسؤوليات المشتركة
وينص اتفاق باريس على مبدأ “المسؤوليات المشتركة إنما المختلفة” بحسب الأوضاع الوطنية، إذ يعتبر البعض أن الدول الغنية المسؤولة عن الاحترار تتحمل مسؤولية تجاه الدول الأكثر فقرا، ويتحتم عليها بالتالي بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى مساهمة “عادلة”.
وتقد ر هذه “الحصة العادلة” بناء على عدد من المعايير منها الانبعاثات التاريخية والانبعاثات للفرد والبصمة الكربونية بناء على الانبعاثات الناجمة عن المنتجات المستوردة، والمساعدة للدول الفقيرة.
أما الرسالة الجوهرية، فلا تتبدل، وهي بحسب آن أولهوف أن “على جميع الدول أن تعيد النظر في التزاماتها وترى ما إذا كان بإمكانها بذل المزيد وبسرعة أكبر” على أمل كبح الاحترار أخيرا.