مع الساعات الأولى من صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك، ينتشر عشرات الشبان في أزقة المدن المغربية من أجل جمع جلود الأضاحي التي يتخلص منها أصحابها. ما إن تنتهي الأسر من أداء الشعيرة الأبرز في “العيد الكبير”، حتى يتلقف الشبان جلود الأضاحي من أجل بيعها لمصانع الدباغة المنتشرة في مدن بالمملكة.
في حي العكاري، أحد أكبر الأحياء الشعبية بالرباط، مشهد لشاب يحمل جلود الأضاحي على كتفيه، وآخر يجرها على عربة صغيرة لتجميعها في أكوام صغيرة قبل تعبئتها ضمن شاحنات.
المشهد هنا لا يختلف كثيرا عن باقي المناطق الأخرى التي أصبحت تشهد كل عيد ظاهرة جمع الجلود وبيعها، خصوصا مع أهمية الأضاحي في الثقافة المغربية، باعتبارها الرمز الأبرز للعيد، لدرجة أنه لا يخلو من ذبحها.
مصدر رزق
تشكل عملية جمع الجلود فرصة لحماية البيئة من التلوث الناجم عن إلقائها في مكبات القمامة، ومصدر رزق لآلاف الشبان، خاصة مع الكم الضخم من الأضاحي المذبوحة، إذ تشير تقديرات إلى أن الطلب على الماشية خلال عيد يبلغ قرابة 5 ملايين ونصف مليون رأس.
عبد العاطي الحلو، أستاذ الأنثروبولوجيا في المعهد العالي لعلوم الآثار والتراث، يقول للأناضول، إن “الحملات الشبابية لجمع الجلود، التي أصبحت تعرفها المدن والقرى المغربية، تعد ظاهرة حديثة نوعا ما”.
ويُرجع الحلو انتشارها الواسع في السنوات الأخيرة إلى “عزوف الأسر عن عملية الدباغة المنزلية لجلود الأضاحي”.
ويوضح أن أغلب الأسر سابقا كانت تقوم بدبغ الجلود وإعادة تصنيعها منزليا للاستفادة منها بصنع الفرش والسجاد، وحتى الآلات الموسيقية، خاصة جلود الماعز منها.
ويشير إلى أن “عزوف الأسر عن ممارسة مثل هذه الأعمال اليوم، جعلها تفضل التخلص من الجلود، ما دفع الشباب إلى جمعها وبيعها لدور الدباغة، من أجل استعمالها في الصناعات الجلدية التي تعد أبرز الحرف التقليدية”. ويرى الحلو، أن لهذه العملية إيجابيات عدة، سواء من خلال كونها مصدر رزق لآلاف الشباب يوم العيد، أو “الآثار الطيبة على البيئة”.
في المدن الصغرى أكثر من الكبرى
ويلفت إلى أن هذه الظاهرة تنتشر في المدن الصغرى أكثر من الكبرى، ما يفسر تلوث أحياء في الأخيرة جراء إلقاء جلود الأضاحي في القمامة. وفي هذا السياق، يتفق نبارك أمرو، رئيس جمعية إعلاميي البيئة، مع الحلو على صعيد الأثر البيئي الجيد لهذه الظاهرة، “إذ تتسبب جلود الأضاحي، في حال عدم جمعها، بانتشار مظاهر التلوث والروائح الكريهة والحشرات ومسببات الأمراض في الأزقة والشوارع”.
ويشير أمرو، للأناضول، إلى أن العملية التي يقوم بها الشباب “تشكل في إحدى زواياها خطوة لمحاربة البطالة وكسب الرزق، ومن زاوية أخرى أحد أهم عوامل المحافظة على البيئة من خلال الحد من تفشي الأمراض والمظاهر المخلة بجمالية الأحياء وشوارع المدن”.
ولا يقتصر الأثر الإيجابي للظاهرة على مزاوليها فقط، إذ يتعدى ذلك بحسب أمرو، إلى “المساهمة في توفير فرص عمل لفئات كبيرة في المجتمع، من خلال تشغيل آلاف النساء والشباب وتسويق المنتجات الجلدية التي تعد أبرز الصناعات التقليدية الوطنية”. ورغم زحف مظاهر الحياة المعاصرة، وتطور الصناعات، فإن مدنا كثيرة ما زالت تشهد انتشارا لعملية دباغة الجلود واستخدامها في الصناعات التقليدية، مثل فاس وتطوان ومراكش وغيرها. ويعمل في الصناعة التقليدية التراثية أكثر من 412 ألف شخص، وفق إحصاءات رسمية، وتبلغ عائداتها 22.4 مليار درهم.