عبد الله البشواري
بتحقيق حلمها في البدء في إنتاج جبن الإبل، الذي عملت من أجله لسنوات عديدة، استطاعت الشابة المغربية عفاف عماد، ومن قلب واحة تيغمرت بإقليم كلميم، أن تحقق مكسبا كبيرا بتوفير هذا المنتوج، ولأول مرة، وطنيا . هي لم ترث سر صناعة الجبن، بل عشقها لسفينة الصحراء ولإدراكها بأهمية تثمين حليب الإبل الذي لا يستغل حاليا إلا كمشروب كغيره من المشروبات، هو ما دفعها لأن تخوض غمار هذه التجربة، متسلحة بالعلم وبدورات تدريبية حول صناعة الأجبان لا سيما بالبلدان الأوروبية، وبدراسات معمقة حول هذا المجال وطنيا ودوليا. لم تثن الصعاب عفاف، رئيسة (تعاونية أجبان لمطة) من الجري وراء حلمها، ولا حتى أشد الأزمات أثنتها كتلك التي تسبب فيها فيروس كورونا الذي أجل لفترة ليست بالقصيرة عملية التصنيع، هذا دون الحديث عن الصعاب المادية واللوجستية…لتبدأ الرحلة.
البدايات
حضرت وكالة المغرب العربي للأنباء رحلة البحث عن الحليب التي تبدأ، يوميا، وبشكل متواتر قبل بزوغ أشعة الشمس…الوجهة الرحل فجرا في البراري للتزود بحليب النوق (عادة تحلب النوق مساء أو فجرا). رحلةبحث تشبه في حد ذاتها رحلة طموح عفاف، التي باحت للوكالة بأن عشق الإبل والرغبة في تثمين حليبها لا تكفي لوحدها، بل سبقت هذه الرغبة دراسات تم إنجازها مع عدد من الشركاء المهتمين، والتي أظهرت أن 80 في المائة من النوق لا يتم حلبها لعدم وجود ، أو عدم اهتمام، المستهلكين لهذه المادة ولسرعة تلف حليب الناقة(لا تتجاوز مدة صلاحيته يومان).
الهدف من وراء مشروع صناعة أجبان الإبل، إذن، تقول عفاف للوكالة، هو أولا وقبل كل شيء تثمين هذه المادة، على اعتبار أن جبن الناقة قد تصل مدة صلاحيته الى 30 يوما ، فكان التفكير في إحداث وحدة إناج عصرية مجهزة بأحدث التقنيات والتجهيزات وتتوفر جميع الشروط المسموح بها وطنيا والتي توجت، مؤخرا، بالحصول على شهادة الاعتماد التي يمنحها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
تم التركيز بعد الانتهاء من إنجاز وحدة الإنتاج (تتوفر على 8 خطوط إنتاج) على تلبية وإرضاء الذوق المغربي، وهي رحلة شاقة وصعبة، تقول عفاف، تبدأ من عملية اختيار مربي إبل يوفر حليبا ذي جودة عالية، يكون في الغالب من الرحل، وذلك أخذا بعين الاعتبار لنوع المراعي التي ترعى فيها الإبل.
والنفاذ الى الأسواق ليست بعملية سهلة، هذا ما يستشف من حديث عفاف، لا سيما بمنتوج جديد تعرف فوائده الصحية وحتى الطبية، الأمر الذي يتطلب عملا غاية في الدقة، وشاقا لتجاوز العديد من العقبات في مراحل الإنتاج والتصنيع من معالجة وتحليل في المختبر والعمل على أن حفظه لفترات طويلة (لا تتجاوز 30 يوما).
هنا ركزت، هذا بالطبع فضلا عن عمليات أخرى حضرت الوكالة كل مراحلها، على عمليات البسترة التي اعتبرها مرحلة “مهمة وضرورية” لإزالة الشوائب عن الحليب وكل ماقد يكون ضار بصحة المستهلك، و عملية تتبع أثر الحليب la traçabilité ، ثم عملية التحليل بالمختبر (نسبة الحموضة وكثافة الماء والحرارة…) ، التي يجرى معظمها بالوحدة.
عين على السوق الوطنية وأخرى على السوق الدولية
وحدة (تعاونية أجبان لمطة) قادرة الآن على استقبال 320 لترا من حليب النوق ، أي ما يعادل إنتاج 50 كيلوغراما من الجبن” تؤكد عفاف ، وبثقة كبيرة تضيف أن الوحدة يمكنها أن تنتج 17 طنا من هذا المنتوج سنويا.
تقر عفاف أن الإنتاج حاليا” لا بأس به”، وهو في المرحلة الجنينية التأسيسية، إلا أن العمل الآن، بفضل العزيمة وطموح العاملين بالتعاونية، منصب بشكل كبير على التعريف بالمنتوج وإرضاء الذوق المغربي، أولا، وبعدها “يمكن التفكير في السوق الدولية” التي تقول إنها متأكدة أن جبن الإبل المغربي سيجد له مكانة لائقة لما تتميز به المنتوجات الوطنية، وفي كل القطاعات، لا سيما الفلاحية منها، في السوق الدولية من سمعة طيبة.
وبما أن السوق الآن ليست واسعة بما يكفي نظرا لعدة اكراهات، عبرت عن أملها أن تزول بأسرع وقت، منها، بالخصوص، المادية واللوجستية (نقل المنتوج في ظروف صحية) وأزمة كورونا التي أرخت بظلالها على عدة قطاعات صناعية، اكتفت التعاونية ، لحد الساعة، ببيع كميات محدودة من المنتوج محليا وجهويا وفي نقاط بيع محددة وطنيا..
التحدي
تخلص الشابة عفاف أن التحدي الآن، وفي هذه المرحلة التأسيسية، هو أن يكون جبن الإبل في كل مائدة مغربية، لما له من فوائد لا تخفى على أحد، ولماذا لا خارج الحدود سفيرا للصحراء المغربية المعطاءة، لهذا ليس من قبيل المبالغة بحال، تبوح، أنها تحلم بسوق عالمية، متمنية أن يتحقق هذا وأن يكون أمرا واقعا وليس محض حلم، لا سيما وأن هذا يتماشى مع المجهودات التي تبذلها الدولة في المجال الفلاحي، عموما، وفي قطاع الألبان والأجبان، خاصة.