تسببت التغيرات المناخية، والعوامل البشرية، في حدوث تحولات في “ضاية عوا” الواقعة في الأطلس المتوسط، مما أدى إلى تراجع منسوب مياهها، ودق ناقوس التدخل السريع من أجل إعادة إحيائها.
ونتجت عن هذا، تغيرات في الوضعية الإيكولوجية لضاية عوا الشهيرة التي يحج إليها سنويا العديد من الزوار من المغرب وخارجه.
فعلى مقربة من “ضاية عوا”، أو بحيرة النورس بالتعبير الأمازيغي المحلي بإفران، يقيم المزارع “أمداوري”، الذي تنتعش فلاحته المعاشية من مياه الضاية التي أصبحت لا تمده سوى بالقليل من المياه التي يحتاجها.
الوضع في الضاية، الأشهر في المغرب، جعل هذا الفلاح القاطن بدوار آيت عرفة بإقليم إفران، يدق ناقوس الخطر من أجل الاعتناء بها وإعادة إحيائها ليتدفق الماء فياضا مثلما كان في السابق.
شح المياه، لمسه أيضا، الوافدون على المنطقة الذين كانت الضاية من بين الأماكن التي يزورونها خلال جولاتهم السياحية في الأطلس المتوسط، حيث يقصدونها للتملي بمائها وبالطبيعة الخلابة المحيطة بها.
السائحة الفرنسية ماريون روسيل، قالت إنه رغم أنها تفاجأت في البداية بحجم الضاية، إلا أن لديها الأمل في إعادة إحيائها “فالمنظر يظل جميلا، وأستمتع به حقا “.
جيولوجيا ، قال سعيد قروق أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إن هذه الضاية من نتائج وضعية طبوغرافية وجيولوجية محددة، وخلقت لنفسها وسطا بيئيا خاصا بها من الناحية البيولوجية والأنشطة والتفاعل مع المكونات المختلفة لهذا الوسط، ضمنها التدخلات البشرية.
وأبرز السيد قروق، أن هذه الضايات تمتلئ حينما تكون الوضعية المائية جيدة من حيث التساقطات والثلوج، وتجف أو تقل أهميتها ومواردها حينما يحل الجفاف.
وأضاف أن هذه الضايات، لاسيما “ضاية عوا” أصبحت، حينما تدخل الإنسان وطور أنشطة مختلفة حولها، تؤدي وظائف أخرى استجابة للحاجيات ، معتبرا أن المشكل يطرح عندما يحل الجفاف.
في المقابل، يبدي محمد مخلص مدير المنتزه الوطني لإفران، تفاؤله بخصوص تراجع أسباب الأضرار الحاصلة في “ضاية عوا”، حيث تراجعت المساحات الخاصة بالأشجار المثمرة المستهلكة للمياه بنحو خمسين في المائة و”هو أمر جيد جدا”.
وأشار السيد مخلص، في تصريح مماثل، إلى أن الفلاحين في المنطقة المحيطة بالضاية يفكرون أيضا في مباشرة تغييرات في مجالات عملهم في إطار الأنواع الفلاحية.
وعن الحلول المطروحة، قال السيد مخلص إنه تم التوقيع على اتفاقية بين عمالة إفران والوكالة الوطنية للمياه والغابات والجماعة المحلية لضاية عوا ومنظمة “ليفين بلانيت موروكو” ووكالة الحوض المائي، بهدف العمل على مساعدة الضاية لاستعادة مستواها.
وأكد أن المشروع يتضمن إمداد محيطها بالمياه من خلال السواقي، وتغذية عمق الفرشة المائية بالمياه، و”هو ما سيجعلنا نحصل، على الأقل، على جزء من الضاية التي ستتم استعادتها وهي بنحو ثلاثين هكتارا من البحيرة”.
يسرى مدني، مديرة منظمة “ليفين بلانيت موروكو”، أبرزت أن هذه الاتفاقية تتمحور حول إعادة تأهيل المناطق الرطبة، أي المنطقة الطبيعية لبحيرة “ضاية عوا”.
وأشارت إلى أن المنظمة ساهمت بنحو 1.5 مليون درهم، وستتم تعبئة الباقي من قبل الشركاء من المؤسسات العمومية الموقعة على الاتفاقية، مضيفة أن العمل الأول على هذا المشروع سيمكن من بناء وإعادة إحياء السواقي وقنوات تغذية المنطقة الطبيعية، وكذا أشغال حماية البحيرة.
وهذا ما أكده أسامة بلوليد، المكلف ببرنامج المياه العذبة بمنظمة “ليفين بلانيت موروكو”، والمسؤول عن تنفيذ مشروع إحياء “ضاية عوا”، بقوله إن هذا المشروع الخاص بالاستعادة الإيكولوجية لهذه البحيرة يتضمن، في مرحلته الأولى، إنجاز دراسات مفصلة وتحليلات جيو-تقنية معمقة من أجل القيام بالأشغال اللازمة واتباع الوسائل التي ستغذي، بشكل مباشر، بحيرة “ضاية عوا”.
كما يتضمن العمل، يضيف السيد بلوليد، إعادة تأهيل وبناء شبكة من السواقي بخط يصل إلى ثلاثة كيلومترات، وإنجاز أشغال حماية البحيرة، وهو عمل تحت أرضي لمنع التسربات وضياع المياه الجوفية.
وسجل أن المشروع يهم أيضا بناء قناة للتزويد المباشر بالماء للمنطقة الطبيعية للبحيرة التي تصل إلى ثلاثين هكتارا ضمن مجموع مساحة البحيرة التي تبلغ مائتين وأربعين هكتارا، وتحسيس جميع الأطراف المعنية حول استعمال الموارد المائية للبحيرة أو المناطق القريبة.
أما الزبير شتو، وهو أنتروبولوجي وعالم اجتماع، فشدد على ضرورة التفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها مرافقة العمل الفلاحي في المنطقة، والذي يشكل نحو 85 في المائة من الأنشطة المستعملة للموارد المائية، وذلك بغية استعمال وسائل وأشكال إنتاج أخرى غير مكثفة مع تحقيق الجودة واحترام البيئة.
واقترح، في هذا الصدد، العمل على بناء مسارات الفلاحة الإيكولوجية والفلاحة البيولوجية، مما سيمكن من تقليص استهلاك المياه وتوفير إنتاج ذي جودة، وخاصة حماية الموارد الطبيعية.
يبدو أن استعادة ضاية عوا لجاذبيتها قد يتحقق بفعل مشروع إحيائها الذي يتم العمل على تنفيذه بشراكة وتعاون مع كل المتدخلين الذين تحذوهم رغبة أكيدة في الوصول إلى هذا الهدف البيئي والسياحي.