هل أن المضاربة مسؤولة عن فورة أسعار القمح وغيره من الحبوب مع اندلاع الحرب في أوكرانيا؟ يختلف الممو لون ومنتقدوهم حول هذه المسألة من غير أن يتمكنوا من رسم حدود بين الصفقات المشروعة والمضاربة المسرفة.
المضاربة على المواد الأولية
حين أرسلت روسيا قواتها لغزو أوكرانيا قبل عام متسببة في اندلاع حرب بين اثنين من كبار منتجي الحبوب في العالم، عم الذعر أسواق القمح وارتفعت الأسعار بنسبة 50% للقمح و40% للذرة في أقل من أسبوعين في الأسواق الأوروبية.
واتهمت مجموعة الخبراء الدولية حول الأنظمة الغذائية المستدامة (IPES-Food) “المضاربة على المواد الأولية” بالتسبب بفورة الأسعار. موضحة في تقرير صدر عند وصول الأسعار إلى ذروتها في مايو 2022 أن المخزون العالمي بمستوى طبيعي ولامخاطر بالتالي بحصول نقص.
غير أن الأسواق الزراعية باتت الوسيط الذي لابد منه لإتمام الصفقات بين المنتجين والمشترين. فتسمح لهم بتحديد سعر مسبق لتفادي تقلبات قوية نتيجة الطابع الفصلي للمواسم.
ترسخ موقع الأسواق اعتبارا من العام 2000 مع وصول لاعبين ماليين جدد من بينهم صناديق التحوط، ومع استحداث مجموعة من الأدوات المالية حول أسعار الحبوب.
صناديق التحوط
ويتم تبادل هذه المنتجات المالية بدون عمليات تسليم مادية للشحنات. وهدفها تدارك مخاطر ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، إنما كذلك المضاربة لجني أرباح القيمة المضافة إذا نجحت المضاربة. وأوضح أوليفييه لو شوفالييه المستشار في إستراتيجية تغطية المخاطر أن هذه الأدوات “غالبا ما تستخدم بما في ذلك من قبل الشركات وكبار تجار المنتجات الغذائية”.
وعند السؤال عن الجهات التي تتدخل، أكد كارلوس ميرا مدير البحوث حول الأسواق الزراعية في رابوبنك “بصورة عامة، تمتنع المصارف التجارية عن اتخاذ مواقف مضاربة”. مقرا في الوقت نفسه بأن “مؤسسات مالية أخرى (مثل صناديق التحوط) ستنشط في بيع وشراء عقود آجلة على المواد الأولية لتحقيق أرباح”.
ولاحظت منظمة CCFD-Terre Solidaire الفرنسية غير الحكومية، وهي مرجعية في أوروبا، انخفاضا “هائلا” في وزن الشركات التجارية “لصالح لاعبين ماليين” بين عامي 2020 و2022. كما أوضح المسؤول في المنظمة فالنتين بروشار.
لكن لا غنى عن المصارف ومديري الأصول، مع وجود أموال ضخمة تحت تصرفهم، والسوق “يحتاج إلى ممولين، فهم يوفرون السيولة”. كما أوضح نيكولاس كينيدي من بورصة “يورونكست”.
من جهتها، قالت جينيفر كلاب، الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في الأمن الغذائي العالمي في جامعة ووترلو الكندية والعضو في مجموعة الخبراء الدولية حول الأنظمة الغذائية المستدامة ل”تعتبر المواد الأولية طريقة للتحوط ضد التضخم”، وسيلة للحماية من تأثير ارتفاع الأسعار.
قبل الحرب، قالت إنها سجلت أسعارا قياسية للمواد الغذائية وتدفقا لمستثمرين “يعتقدون أنه إذا ارتفعت الأسعار بشكل عام. سيستفيدون من شراء مواد أولية”.
إلا أن هذا الموضوع ليس جديدا. ففي العام 2008، خلال “أعمال الشغب بسبب الغذاء” التي حدثت عقب الزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية، عزي تضخيم الأسعار إلى القطاع المالي.
وعقب أزمة الغذاء هذه، واجه تقرير لمجموعة العشرين وضع في العام 2011 صعوبة في تحديد تأثير أمو لة الأسواق الزراعية.
وذكر هذا التقرير “أدلة محدودة” على تأثير المستثمرين على اختلالات محتملة للأسعار وفق بعض الدراسات. لكنه أضاف أنه “وفقا لوجهات نظر أخرى، أثرت زيادة مشاركة المستثمرين الماليين، في بعض الأحيان، على تقلب الأسعار” ودفعت إلى تطور أسعار المواد الأولية تماما مثل أسواق الأسهم الأخرى.
ومن أجل وضع حد للمضاربة على المواد الأولية الزراعية، وضعت ضمانات بعد أزمة العام 2008، لكن العديد من المنظمات غير الحكومية اعتبرت أنها غير كافية.