ليس موحشا قط ولا مرادفا لذلك، بل هو منطلق ودليل على خير عميم. هذا ما يجمع عليه عدد من الصيادين بالقصبة الذين يوثرون رميها ليلا، طمعا في كرم البحر الحاتمي.
لليل خصوصياته
وبشغف كبير يتوزع هؤلاء الصيادين على ساحل الأطلسي، في كل من الرباط وسلا، رغبا فيما تجود به عليهم صناراتهم التي نصبوها، وضمنوها طعما لاستمالة سمك سيشكل في ما بعد وجبة دسمة، ليس فقط لتأثيث مائدة تتلمظ عليها الشفاه، بل لأن منهم من جعل هذا “النسك” من صميم برنامجه اليومي.
“الليل يساعد على تواجد عدد كبير من الأسماك، وبأنواع مختلفة”، كما يقول محمد فرجي، الصياد بالقصبة الذي نذر عقودا من حياته لهذه الهواية.
وتابع هذا السلاوي الستيني الذي شاب منه المفرقان، أن “هذا الظرف الزماني عامل مساعد على تواجد أنواع من الأسماك تكون أكبر حجما، مقارنة مع تلك التي تتواجد صباحا”، مضيفا أن لليل خصوصيات صميمة به، تجعل الصياد بالقصبة “يستشعر السمك الذي يقبل على صيده، ولو في ليل بهيم”.
وأوضح أن الأمر بتعلق بـ”متعة يستشعرها فقط من تعلق فؤاده بهذه الهواية”، مشيرا إلى أن الخصوصية الرئيسية للصيد بالقصبة هي أن الصيد حي و”يضج بالحياة”، على النقيض من ذاك الذي يصطاد بالشبكة.
متعة لا ند لها
وعدد السيد فرجي منافع هذه الهواية وأجملها في تلقين مثل الصبر والجلد والسكينة وصفاء الروح، كما أنها “تجعلك تحس دوما بالهدوء والطمأنينة”، معتبرا أنها “متعة لا ند لها”.
وبخصوص المصايد المبثوثة على طول الشريط الساحلي في كل من العدو تين (الرباط وسلا)، أبرز أنها تمتد من بوشوك بسلا إلى غاية الهرهورة، مشيرا إلى أن لكل مصيد اسم، على غرار” الشلايرة”، و”الهزازات”، و”بوخرباش”، إضافة إلى “المون”، و”عنق الجمل”، و”الحجر المكرض”.
“كل صياد يتعلق بمصيد دون سواه”، يسترسل السيد فرجي في الحديث، مضيفا “فتجده يفرغ الجهد لبلوغه حتى وإن سار لمسافات طويلة، لأن كل مصيد يزخر بعينة من الأسماك، من قبيل “الشرغو”، و”الدرعي”، و”المعزة”، إضافة إلى “الصنور”، وغيرها من الأصناف التي تشكل مكونات طبق قد يدفع جوعا عارضا، في انتظار “الإتيان بالغلة إلى المنزل” يحكي “السي محمد” والطرفة لاتكاد تفارقه.
البحر في أ حشائه الدر
وأوضح أن أنواع سمك سواحل شمال الأطلسي والواجهة المتوسطية، تختلف نوعا ما عن تلك التي يتم اصطيادها في سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة، على اعتبار أن أصنافا من الأسماك توطن تلك المناطق فقط دون سواها، مضيفا أن لكل حوت طعمه الخاص، و لكل سمك طعم يصطاد به أيضا، فسمك البوري مثلا يتم إغراؤه بالخبز. إضافة إلى أنواع أخرى من الطعم كـ”الدودة، و”القمرون”.
وخلص إلى أن الصيد بالقصبة يكون هواية في المقام الأول، قبل أن يصبح هاويه محترفا مع مرور السنين، بل إن الهواية قد تصبح مهنة “دفعا لشظف العيش والفاقة، وكسبا للقوت اليومي بالنسبة للبعض”.
ويبقى أن صيادي الليل ليسوا قط كحاطبي الليل، فالبحر “في أ حشائه الدر كامن ” كما قال الشاعر حافظ ابراهيم، ودرره تستوجب تعقبها ليلا، وهو ما يجمع عليه عشاق الصيد بالقصبة على ضفتي أبي رقراق.