أفادت تقارير دولية بأن جماعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة في مالي تلقت ما لا يقل عن 50 مليون دولار مقابل الإفراج عن شيخ إماراتي اختُطف قبل أسابيع، في واحدة من أكبر عمليات دفع الفدية المعروفة في منطقة الساحل.
وبحسب المصادر ذاتها، تعتمد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين—التي تشن هجمات متصاعدة لإسقاط المجلس العسكري الحاكم وفرض الشريعة—على خطف الأجانب الأثرياء كجزء من ما تسميه “الجهاد الاقتصادي”، إلى جانب فرض حصار على إمدادات الوقود واستهداف الأنشطة الصناعية. ويهدف هذا التكتيك إلى بث الرعب بين المستثمرين وشلّ اقتصاد مالي الذي يعاني تمردًا مسلحًا منذ أكثر من عشر سنوات.
ومع إعلان الجماعة في يونيو الماضي نيتها استهداف أي نشاط تجاري أو صناعي دون “إذنها”، شرعت في تنفيذ تهديداتها عبر حرق شاحنات الوقود ومهاجمة مناجم ومصانع، ورفع عدد عمليات خطف الأجانب إلى مستوى غير مسبوق. ووفق منظمة ACLED لمراقبة النزاعات، خُطف نحو 22 أجنبياً بين ماي وتشرين الأول/أكتوبر 2025، أي ضعف العدد المسجّل في 2022، من بينهم صينيون وهنود ومصريون وإماراتيون وإيرانيون وصربيون وكروات وبوسنيون.
وتشير مصادر أمنية إلى أن الشيخ الإماراتي—وهو فرد من أسرة حاكمة وكان يعمل في تجارة الذهب قرب باماكو—اختُطف يوم 26 سبتمبر، إلى جانب شريكين له من إيران وباكستان. وطالبت الجماعة في البداية بفدية قيمتها 50 مليون دولار، فيما تم تحويل دفعة أولى قدرها 400 مليون فرنك إفريقي (أكثر من 700 ألف دولار) كدليل على أن الرهائن على قيد الحياة.
وبحسب مصدر مطلع على المفاوضات، أطلق الجهاديون سراح الرهائن الثلاثة في نهاية أكتوبر مقابل فدية بلغت 50 مليون دولار على الأقل، إضافة إلى الإفراج عن حوالي ثلاثين من عناصر الجماعة المحتجزين لدى الاستخبارات المالية، وعدد من الجنود الماليين. ووصف مصدر أمني مالي العملية بأنها “اتفاق ضخم بكل المقاييس، بالنظر إلى الظروف الحالية وحجم الجهات المشاركة فيه”.
ويرى الباحث المغربي رضا لياموري، الخبير في شؤون الساحل، أن المبلغ سيدعم قدرات الجماعة على مواصلة عملياتها العسكرية، بما فيها الحصار الاقتصادي لباماكو. فيما يؤكد خبراء آخرون، مثل ليام كار من “معهد المشروع الأميركي”، أن الأموال ستمكن الجماعة من شراء طائرات مسيرة وأسلحة خفيفة ومتوسطات، ودفع رواتب مقاتليها.
وفي ظل الانسحاب الفرنسي بعد انقلابَي 2020 و2021، وتراجع فعالية الشركاء الأمنيين الجدد وعلى رأسهم روسيا، توسع الجماعة نفوذها من قلب الساحل باتجاه سواحل الأطلسي، مستهدفة مواقع تعدين الذهب، حيث يتم استخراج 80% من الإنتاج الوطني في غرب مالي. وقد تعرّضت مواقع صينية عدة لهجمات أسفرت عن خطف ما لا يقل عن 11 عاملاً صينياً، إلى جانب عمليات خطف جديدة الأسبوع الماضي استهدفت خمسة هنود ومصري.
ومع تصاعد الخطر، أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قبل أسبوعين سحب الموظفين غير الأساسيين من مالي، فيما حثت سفارات عديدة رعاياها على مغادرة البلاد فوراً.