تجد طهران نفسها أمام خيار بالغ التعقيد وهي تنتظر تسل م رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن برنامجها النووي، مع سعيها الى رفع العقوبات المفروضة عليها، لكن ليس بأي ثمن.
منذ عودته الى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، أعاد ترامب العمل بسياسة “الضغوط القصوى” التي اعتمدها حيال الجمهورية الإسلامية خلال ولايته الأولى، لكنه تحدث في الوقت ذاته عن السعي لاتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، بدلا من اتفاق 2015 الذي سحب بلاده منه بشكل أحادي في 2018.
وأكد عدد من المسؤولين الإيرانيين في الفترة الماضية أن طهران لن تفاوض واشنطن في ظل “الضغوط القصوى”. وشدد الرئيس مسعود بزشكيان الثلاثاء على أن إيران “لن تنحني إذلالا أمام أحد”.
وكان ترامب كشف الأسبوع الماضي أنه بعث برسالة الى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، يضغط فيها للتفاوض بشأن الملف النووي، أو مواجهة عمل عسكري محتمل.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي أن أنور قرقاش، مستشار الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، سيحمل الرسالة خلال زيارة يجريها لطهران في وقت لاحق الأربعاء. وقال محلل السياسة الخارجية الإيراني رحمن قهرمان بور “يبدو أن إيران مستعدة لإجراء مفاوضات محدودة، بمعنى ألا تتعدى الملف النووي”.
في المقابل، يبدو أن ترامب يسعى الى إبرام “اتفاق شامل” مع الجمهورية الإسلامية، يشمل البرنامجين النووي والصاروخي الذي يثير قلق دول غربية وإسرائيل، إضافة الى “محور المقاومة” الذي يضم طهران وقوى إقليمية حليفة لها ومعادية للدولة العبرية.
وقالت بعثة إيران طهران في الأمم المتحدة الأحد إن طهران قد تدرس التفاوض مع واشنطن بشأن النووي، في حال تعلق ذلك بالمخاوف من “احتمال عسكرة” برنامجها وليس لوقف تطو ره. وأضافت في منشور على منصة إكس “إذا كان (التفاوض) بهدف القضاء على البرنامج النووي الايراني السلمي… فإن مفاوضات كهذه لن تعقد إطلاقا”.
غداة إعلان ترامب أنه بعث بالرسالة الى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، انتقد الأخير السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة، العدو اللدود لبلاده منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
وقال خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا لإيران، إن “محادثاتهم لا تهدف إلى تسوية القضايا بل من آجل التآمر وفرض توقعاتهم”. وأضاف “ي عد التفاوض بالنسبة إليهم وسيلة ومسارا لطرح مطالب جديدة، تشمل القدرات الدفاعية والدولية للبلاد، وفرض توقعات من هذا قبيل +لا تفعلوا كذا، ولا تلتقوا بفلان، يجب أل ا تتجاوز صواريخكم مدى معينا+ وهذه المطالب لن تقبل بها إيران أبدا، ولن تتحقق”.
وسبق لخامنئي أن حذ ر حكومة بزشكيان من أن التفاوض مع الولايات المتحدة لن يحل مشكلات إيران، مذكرا بالتجارب المريرة السابقة مع واشنطن. وبعد أعوام من التوتر والتفاوض، أبرمت إيران اتفاقا مع القوى الكبرى، أتاح رفع عقوبات اقتصادية كانت مفروضة عليها، لقاء قيود على أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
وقام ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، بسحب بلاده أحاديا من الاتفاق المبرم في عهد سلفه باراك أوباما، وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. وردت الأخيرة بعد عام ببدء التراجع عن غالبية التزاماتها بموجبه.
وتزيد العقوبات بشكل كبير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها إيران، اذ تساهم في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية. ورأى قهرمان بور إن المسؤولين في إيران والولايات المتحدة على السواء يستخدمون “الخطاب السياسي” لإقناع “قواعدهم الانتخابية” بأنهم يفاوضون من موقع قوة إزاء الطرف الآخر.
من جهته، تحدث الخبير في العلاقات الدولية علي بيغدلي عن مؤشرات الى أن طهران “تستعد، إما من خلال وساطة روسيا أو دول أخرى مثل السعودية، للقبول بإجراء مفاوضات نووية”.
وعلى رغم فشل كل جهود إحياء الاتفاق النووي عقب نهاية ولاية ترامب الأولى (2021) وخلال ولاية خلفه جو بايدن، تعقد إيران والدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، مباحثات من حين الى آخر بشأن المسألة النووية. كما شك ل هذا الملف موضع نقاش منفصل مع روسيا.
والأربعاء، أعلنت وزارة الخارجية في الصين أنها ستستضيف الجمعة مباحثات مع إيران وروسيا بشأن برنامج طهران. وأشار قهرمان بور الى أن إيران تسعى الى ضمان “أن تمتنع الولايات المتحدة عن فرض عقوبات جديدة على الأقل، بهدف إظهار حسن نيتها”.
وحذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا خلال الأشهر الماضية، من أن إيران تزيد منسوبها من اليورانيوم العالي التخصيب. وتؤكد طهران على الدوام أن برنامجها النووي سلمي وأنها لا تسعى لتطوير سلاح ذري.
وفي حين استبعد بيغدلي أن تتعرض إيران لضربة عسكرية لأن ذلك قد يؤدي الى “إشعال الشرق الأوسط برمته”، رأى أن “لا خيار” أمام طهران سوى التفاوض مع الولايات المتحدة. وأوضح “من دون مباحثات مع الغرب وتخفيف العقوبات، لا يمكننا تجاوز هذه الصعوبات الاقتصادية”.